أخال نفسي أحيانا ذلك اللاعب المكلّف بإيقافه. إيقافه؟ تلك المهمة التي تعني في حالته كسراً لآنية فخارية مذهلة خارجة لتوّها من الفرن، أو كصرخة معتوه في قلب العزف الفردي الأول لموتسارت. هكذا أحاول التفكير به كعقل مخرّب يهوى تحنيط الفراشات. هكذا أتأمل نفسي المتخيلة راكضاً خلف ميسي الصغير، محاولاً إيقاف متعته الوحيدة، وأن أقطع ذلك الحبل السري الذي يصل وجه قدمه الدقيقية بعقله الشطرنجي، لا حل. سأتعمد إيقافه من كعب أخيله، ولأتحمل لعنة الملايين إذ هو يسقط فيخرج زفير صدر مشاهد يفكر في المعجزة القادمة، حين يقوم ضد الفيزياء الجسدية، تحت أعين من وقفوا واضعين أيديهم المصدومة على أفواههم، قبل أن يحمدوا "بطنا زلقت ميسي" على ما يقول الدعاء الشهير لملايين المشجعين الكتالونيين. قبل أيام حصل اللاعب ذو الإثنين وعشرين ربيعا على جائزة لاعب العام، المقدمة من الفيفا، بعد أسبوعين من تتويجه بالكرة الذهبية التي تقدمها مجلة فرانس فوتبول الشهيرة، حاصداً الألقاب الفردية الممكنة كلها بعد أن حصد فريقه (برشلونة) ستة بطولات في عام واحد. في هذه الليلة في زيورخ، كان يجلس كعادته ، في الملعب في المدرج أمام الشاشة، مذعورا من التقاء عينه بالكاميرا، لا بل أن تشاهده الكاميرا متلبسا مثلا بنظرة مباشرة لأي شيء. من أين يطلع هذا التجوال في حدقة عينه التي وإن بدت تبدو أقرب لمن يبحث عن برتقالة كان يهوى "تنقيطها" صغيراً، وكأنه يبحث في ذلك الحفل الفخم الذي يعرف الجميع نتاجه مبكرا عن كرة صغيرة، هو على استعداد في تلك اللحظة أن يترك كل الكاميرات ليقف في الكواليس عازفاً بمهارة على جلدها المصقول. تبدأ قصة "المعجزة" من رسالة لأم أرجنتينية إلى إدارة فريق برشلونة منتصف التسعينيات تقول" ولدي فليحفظه المسيح- لا يعرف إلا الكرة إلا أنه مصاب بقصور في غدة تمنع جسده الصغير يا إلهي عن النمو، فهل تهتمون؟" ترسل إدارة برشلونة الفريق الكتالوني، مندوباً لمشاهدة طفل الثماني سنوات، فيعود بأسرته والطفل إلى أسبانيا في رحلة علاج باهظة لإنقاذ "المعجزة"، يعود الطفل للنمو لكنه لن يتجاوز حاجز منتصف الستينات بعد المئة من السنتيمترات، أما الباقي فهو تحديه الخاص. ينمو الطفل "ليونيل ميسي" داخل الشرنقة التي تصل عينه بقدمه وفي وسطها بالون، فيعوّض قصر المسافة في معجزة بيولوجية بحساسية من وُهب يدين في مكان القدمين، وكأنه ذلك المعوق بشلل الأطفال الذي يبالغ في حمل الأثقال كي ينتفخ صدره ويربي عضل يديه، على ما لا يستطيع تحمله الأصحاء. تبارك الآلهة ذلك الولد الذهبي المشفوع بدعاء أم لوحيدها.