كالعادة الناس لا تجمع علي شيء.. خطاب أوباما أمس أثار ردود فعل شتي.. البعض قال إن الرجل يملك كاريزما خاصة وخطيب مفوه وتركيزه عال واحسن زعيم عالمي تكلم حتي الآن عن الإسلام وتعاليمه ومكانته وإسهامه في الحضارة الغربية.. آخرون مثل "عواجيز الفرح" مصمصوا شفاههم وقالوا أفلح ان صدق. فريق ثالث قال سمعنا هذا الكلام من قبل أو انه جاء للسعودية سعيا وراء أموالها وبترولها في الأزمة المالية العالمية الكبري وزار مصر ليلقي منها خطاب طمأنة للعالم الإسلامي يفعل بعده ما يشاء في اعدائه بأفغانستان والعراق وإيران التي ينوي ضربها رغم كلامه المعسول!
اما الفريق الرابع فضرب مثالاً ل "الهيافة والتفاهة" قائلاً إن الرئيس الامريكي اختار توقيت صلاة الظهر ليلقي خطابه حتي لا يذهب فضيلة الإمام الأكبر الشيخ سيد طنطاوي وفضيلة المفتي د. علي جمعة إلي صلاة الجماعة في المسجد واضافوا أن أوباما أهان المسلمين عندما اختار ان يخطب وأذان الظهر يرفع في جميع المساجد بالوطن العربي.
ومع تقديري لبعض ما قيل وعدم اهتمامي بأكثره. إلا ان هناك حقيقة هامة عانينا إغفالها وهي ان هناك فرصة أتاحها الخطاب.. والفرصة لن تجيء علي طبق من ذهب لنا. لكن علينا أن نسعي ونجتهد لنحقق الأمل..
يجب أن ندرك أن أوباما عندما استشهد بالقرآن. فانه لن يكون مسلماً ولكنه يتحدث باحترام عن دين يؤمن به مليار و200 مليون مسلم في العالم. وهذه بداية هامة في علاقة اتسمت بالتوتر بين اكبر قوة عظمي والمسلمين..
وعلينا ان نفهم انه عندما تحدث عن حقوق الفلسطينيين فانه لم ينس أن هناك إسرائيل.. أوباما يمكن ان يساعد في بناء وطن للفلسطينيين لكنه لن يلقي باليهود في البحر ويعيد فلسطين التاريخية بالكامل لأبنائها!! لا يصح ان نضيع فرصة وجود رئيس متفهم كأوباما مثلما أضعناها ايام كلينتون.. من الممكن ان نستمر في شكوكنا وعنادنا ومواقفنا السلبية من العالم ومن مشاكلنا.. البعض سيستمر في القول بأن أوباما أفاق ويضمر غير ما يقول.. البعض الآخر سيصر علي عداء الجميع حتي وأن مدوا أيديهم بالسلام فسنرد بالاتهامات والتخوين..
علينا الآن ان ننظر إلي المكان الذي نقف فيه وكيف وصلنا إليه؟ هل بلغنا ما نحن فيه بالتعنت الإسرائيلي والبربرية والهمجية الصهيونية فقط. أم اننا أضعنا فرصا كثيرة وعلينا مسئولية أيضا!
ان خطاب أوباما يحمل في طياته معني صريحاً هو أن نتغير لأننا سنظل في انحدارنا وتدهورنا إذا لم نتنبه لذلك..
هناك فرصة علينا ان نستغلها أفضل استغلال.. أمريكا تمر بمرحلة انتقالية وفي السلطة رئيس لم يصل إلي منصبه إلا نتيجة أوضاع استثنائية. فعلينا انتهاز هذه الفرصة وتقريب أمريكا من صفنا.. فطالما شكونا من نفوذ اليهود في أمريكا. والآن لدينا فرصة تقوية نفوذ المسلمين عن طريق التعاون مع أوباما.
إن أوباما لم يتمرد بعد علي اللوبي الصهيوني. ولم يعلن توقيع عقوبات علي إسرائيل.. علي العكس فقد أعلن أن محرقة اليهود غير قابلة للنقاش.. لكنه مد يده إلي المسلمين.
ومع ذلك لو رفضنا يده الممدودة فسنبرهن بالدليل القاطع لكل رئيس أمريكي قادم ولكل زعيم أوروبي له مصالح مع العرب أننا سنخذل الجميع!!
إذا خرجت هذه الرسالة من العالم العربي والإسلامي فهذا معناه أننا لن نغير ما بأنفسنا.
لقد حيانا أوباما بتحية الإسلام.. وواجبنا كما يقتضي ديننا الحنيف أن نرد التحية بأحسن منها أو بمثلها.. أما ما يصدر عنا في الوقت الراهن فهو أمر عجيب.. ويؤكد أن بعضنا لن يقبل بالآخر وسيظل علي تطرفه وتشدده.
صحيح أن الخطاب رائع والرجل جاد وننتظر منه الكثير لكن علينا أن نتغلب أولاً علي قصورنا الذاتي ويكون لدينا برنامج وخطة وفلسفة وأسلوب عمل وفكر واحد ونشحذ من درجة اليقظة التي يجب أن نتحلي بها.
لا أريد من العرب أن يرفضوا من أوباما ما سبق أن رفضوه من الرئيس السادات عندما قرر الذهاب إلي الكنيست ومن ثم إلي كامب ديفيد لتوقيع أول معاهدة سلام بين العرب وإسرائيل.. لقد أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن القدس لكل الأديان فخونوه وطالبوا برأسه وقتلوه.. أوباما قال نفس ما قاله السادات "القدس لكل الأديان.. القدس لكل أبناء سيدنا إبراهيم.. المسلمون والمسيحيون واليهود".
ألم يلاحظ أحد من المتشنجين والمتعصبين المعني السياسي العميق الذي أراد أوباما أن يصل إليه.. معني لم يسبقه إليه أي زعيم عالمي إلا السادات الراحل العظيم.. لكن الفرق بين الاثنين أن كل الرؤساء الأمريكيين كانوا أسري للتفسير اليهودي للقدس أو القدس الموحدة.. ماعدا أوباما..
عندما يعلن الرئيس الأمريكي أن القدس للجميع فهذا معناه أن القدس لن تكون تحت السيطرة اليهودية ولن تكون عاصمة لإسرائيل.. هذا ما فهمه اليهود وثاروا بسببه وهاجموه وهدد بعضهم باغتياله.
القدس لجميع الأديان.. المبدأ الذي رفعه أوباما يعني أنه لا مانع أن تكون هناك دولتان.. فلسطينية وإسرائيلية.. تتشاركان في القدس.. الشرقية للمسلمين أو للفلسطينيين والغربية لليهود.. المقدسات المسيحية في الأرض المحتلة سيضعها المسلمون في عيونهم.
ياسر عرفات كان حريصاً علي حضور قداس عيد الميلاد في الكنيسة تأكيداً علي احترام المسلمين لكافة الأديان.. بيت لحم مسقط رأس المسيح.. عمر بن الخطاب صلي بعيداً عن الكنيسة احتراماً لها.. لم يصل فيها حتي لا يقال إن المسلمين دخلوا كنيسة مسيحية وأخذوها.
والآن هل نمد يدنا لأوباما.. أم نظل علي ما نحن فيه من تردد وتوجس وكراهية للآخر.. ثم أليس غريباً أن يذكرنا "أوباما" بقيم الإسلام وسماحته وعظمته ودوره في بناء الحضارة الغربية وإسهاماته في أمريكا والعالم كله. ثم يقول له بعضنا "آسفين" نحن لا نقبل طرحك للإسلام.. أو لن نعمل معك حتي نري أفعالاً لا أقوالاً! مرة أخري ردوا التحية بأحسن منها أو بمثلها.. وإذا ثبت أنه كان يضحك علينا أو يمثل أو... أو.. ساعتها انكصوا علي أعقابكم لأننا سنكون ذهبنا معه لآخر الشوط. وليس هناك ما نخسره..